[ المقالة ]

تجربتي مع الإجراءات القانونية في سوريا

جواز سفر سوري

أريد أن أؤسس في سوريا شركة مقابلة لشركة “مركز الثقافة العربية” في تركيا ليتم من خلالها التعاقد مع المؤسسات الحكومية والدولية والخاصة في مجال عملنا، ولتقنين الخدمات التي أقدمها حاليا لبعض المؤسسات الحكومية والخاصة دون عقود رسمية.
الشركات في سوريا أنواعها لا تغطي مجالات عمل متعددة مثل شركة ليميتيد التركية [الشركة محدودة المسؤولية] التي تغطي عندي مثلا مجالات الطباعة والتدريب والتعليم والبرمجة التعليمية والإنتاج الإعلامي والبرامج الاجتماعية، كما أن تكلفة وأجور ترخيص شركة سورية ضعيفة الصلاحيات ومحدودة جدا داخليا وخارجيا أعلى بكثير من تكلفة تأسيس شركة متعددة المجالات وذات مزايا عالية في تركيا أو الإمارات، وهي أعلى بأكثر من خمسة أضعاف ما كلفني تأسيس شركة وحسابها لمركز الثقافة العربية في بريطانيا.
ذهبت باتجاه افتتاح مؤسسة كون العمل في المركز عندنا بطبيعته ثقافيا وتعليميا وخدميا شبه غير ربحي، فإذ بالمؤسسة تحتاج إلى أعضاء وأوراق كثيرة منها لا حكم عليه للأعضاء، وتحتاج إلى حساب بنكي.
راجعت عدة بنوك؛ الحساب البنكي بدوره يحتاج إلى إثبات عمل وسند إقامة وهوية وإخراج قيد، فجواز السفر – الذي فتحت به حسابات بنكية عديدة في تركيا ومصر وغيرها وأسست به أكثر من شركة وتعاقدت به وبأوراق الشركة مع مؤسسات حكومية وخاصة مختلفة في تركيا والوطن العربي وغيره – لا يكفي في بلدي لفتح حساب بنكي، ولا بد من البطاقة الشخصية التي أخذتها مخابرات الأسد مني في السجن هي وكل ما يثبت شخصيتي ودراستي، ولهذا أحتاج إلى ضبط شرطة يفيد بفقدان الهوية مع إخراج قيد جديد والجواز السوري وصورة الهوية الضائعة لأفتح حسابا بنكيا.
وبالنسبة لإثبات أني أعمل، فكوني صاحب شركة تركية لا يثبت أنه لدي عمل، وإذا قدمت أوراق شركتي التركية فقد أعتبر غير مقيم، وبالتالي يرفض ترخيص المؤسسة، ولكن قد يستعاض عن ذلك بحسب الموظف بأن أكتب إفادة تبين أنني موظف عند نفسي في شركتي وأختمها بختم الشركة!!. فهذا قد تقبله إدارة البنك – احتمالا – لتفتح لي حسابا مصرفيا في بلدي سوريا.
بعد هذا نبهني الموظف: حسابك لا يخولك استلام حوالة كاش قادمة من الخارج ولا حوالة من حساب آخر داخل البلد. الشيء الوحيد أنك تستطيع ان تسحب الفلوس التي اودعتها كاش، أو أودعها شخص لك نقدا.
سألته إذا حُوِّلت أموال رسمية للمؤسسة من مؤسسات خارجية أو من مشاريعها هل أستطيع استخدامها في مشاريع المؤسسة هنا؟ أجابني: كل أسبوع يحق لك سحب ٥٠٠ ألف سوري، حوالي ٤٥ دولارا فقط.
طبعا لم أذهب بعد إلى كتابة ضبط شرطة يثبت أن هويتي سحبت مني، ولا أدري إن كانوا سيطلبون بيانا رسميا بأنني كنت في السجن عند مخابرات الأسد أو سيطلبون إثبات أنهم أخذوها؟
في نهاية المطاف معظم المعاملات تمشي، لكن بعد أن تدور حلب أو دمشق عشرات المرات وتدفع تكاليف مضاعفة عن الدول المتقدمة.
بعض المعاملات جاء أصدقائي خصيصا لها من الخارج وقضوا أياما طوالا وأسابيع وعادوا حتى دون أن يحصلوا على خفي حنين، ولا حتى رأوهما. ومضت إجازاتهم يدورون بين الدوائر الحكومية، وآخرون قضوا أوقاتهم في رفع الأحكام الجائرة وتسديد غرامات الانضمام للثورة والانشقاق التي أوقعها نظام الأسد عليهم.
طبعا لم نتحدث عن انفلات الأسعار وتضخمها بما يوازي تركيا وبعض دول أوروبا والمصاريف غير المعقولة التي يدفعها الإنسان وهو يقضي أيامه يبحث عن حلول أو يدفع لمن يستخرج له الأوراق التي لا ينتهي طلبها، فقد يستهلك الوافد القادم لخدمة بلده كل مخصصاته للتأسيس دون فائدة، ثم يعود قد خسر وقته وماله ودون أن يصل إلى نتيجة. وقد يصل إلى نتيجة إن استكمل الطريق وبذل الوقت والجهد وصبر على التكاليف المضاعفة.
من يتعامل مع المؤسسات الحكومية – بِتَرِكَتِها الأسديّة البعثيّة – يشعر أن سوريا ما زالت تتخبط في أعماق كهف عفن تخنقه أطنان من شباك العناكب السامة، وتحتاج كثيرا من الوقت والخبرة – نعم الخبرة – للخروج من هذه الشبكة السامة التي قد تمنع قيام البلد على قدميه سنوات أخرى قادمة لا سمح الله.