[ المقالة ]

الجهود الدعوية النسائية في الميزان من الارتجال إلى التمكين

جهود

جهود النساء الدعوية والتوعوية في عمومها تبدو مشتتة وغير مؤثرة بالقدر المطلوب مقارنة مع الجهد المبذول. هذا ما خلصت إليه من خلال ملاحظاتي الميدانية، ومن خلال لقاءاتي المتكررة مع مشرفات وداعيات من مختلف الأقطار، وفي مختلف التخصصات. ليس لغياب الحماسة، ولا لفقدان النية الطيبة، وإنما لعوامل عدة سأحاول الوقوف في هذه المساحة مع أهمها.

عن سؤال التغيير والتقدم ولمس النتائج المفترضة؛ كان رد العديدات من المشرفات سواء على دور التحفيظ أو مراكز التعليم الديني أن عدد الحافظات في تزايد، وأن مسألة حفظ القرآن وتجويده لا تطرح إشكالا، فالنسبة العظمى ممن ينخرطن في برنامج الدار أو المركز تصل إلى النتيجة المرجوة خلال المدة الزمنية المحددة، أو حتى بعد تمديد مدة الحفظ بسبب الطوارئ، وعدد الحافظات في العموم يغطي على عدد الانقطاعات، لكن الإشكال في عدم ملاحظة تغييرات كبيرة في السلوكيات وفي التحصيل العلمي. في الكثير من المرات كان جوابي بكل تلقائية ومباشرة: لربما السبب ليس من المتلقي بالضرورة، فلربما المعلمة ونوعية خطابها، ومستواها التكويني، ومدى تمكنها من المادة التي تحاضر فيها، والالتزام بحدود ما تعلم؛ يلعب دورا في ذلك، فليس كل من تحدثت دعت.  للأسف، الكثير من الداعيات وقودهن الحماسة الزائدة، والاجتهادات الشخصية دون الاعتماد على مرجعية منهجية واضحة. الاندفاع العاطفي والحماس الدعوي جميل، لكنه إن لم يُضبط بمنهج علمي وتربوي، قد يؤدي إلى تشتت في الرسائل والوسائل، فتجدهن يتحدثن في كل شيء دون تأهل أو تمكن يعطي مصداقية لخطابهن، وتراهن يروجن للفطير من الأفكار، أو يلزمن النساء بأفكارهن وتجاربهن الخاصة، وهذا يضعف التأثير ويشتت الجمهور.

غياب الرؤية الواضحة والرسالة المحددة قد يكون أيضا سببا مباشرا في هذا التشتت، فالعديد من الداعيات لا يمتلكن رؤية استراتيجية لما يردن تحقيقه من خلال الدعوة. فتكون الجهود عشوائية وموسمية، وغير مبنية على خطة واضحة. واختيارهن في الغالب العمل الفردي، أو في مجموعات صغيرة بدون إطار تنظيمي أو مؤسسي، ورفضهن أو عدم تنبههن لأهمية الانخراط في مؤسسات، والتنسيق بين الداعيات أو المبادرات النسائية، والتعاون، والتكامل الذي يمكن من خلق قوة كبيرة، كل هذا يحد من التأثير، ويؤدي لتكرار الجهود وعدم تكاملها. فإن أضفنا إلى ذلك عدم التزامهن بتطوير أنفسهن، وإغفالهن تقييم الجهود السابقة، ومراجعة ما نجح وما فشل لأجل التعلم من الأخطاء أو البناء على النجاحات وبالتالي التطوير، فقد اكتمل تصور سبب هذا التشتت، إلا من نقطة جوهرية لا يمكن إغفالها أو المرور عليها مرور الكرام. يتعلق الأمر بأمراض القلوب والتشوهات النفسية التي يعاني منها الصف، رجالا ونساء، إلا من رحم ربي. فحظوظ النفس، والدعوة إلى الذات عوض الدعوة إلى الله، والتكاثر بالمتابعين، و”الشللية”، والمحسوبية وحب النفوذ والسيطرة، والمنافسة غير الصحية، والانشغال بالصراعات أو القضايا الجانبية، وبالنقد المتبادل، يشغل عن التركيز على بناء وعي حقيقي وتقديم حلول واقعية، وبالتالي يكرس التشتت والعشوائية والارتجال.

هذا في العموم ما عنّ لي في هذا المضمار، وإلا فإن الأسباب كثيرة، ولا يمكن حصرها فيما سبق.

فما الحل إذن وقد وضعنا أصبعنا على أهمها؟

لعل من أهم ما يمكن اقتراحه من حلول:

-بناء مشاريع دعوية مؤسسية برؤية ورسالة واضحة.

– تعزيز العمل الجماعي والتخصصي.

– إنشاء شبكات للتنسيق بين الداعيات وتوزيع الأدوار.

– تقديم تدريب عملي في التخطيط والتواصل والتأثير.

– التركيز على التأثير العميق الكيفي وليس الكمي.

ولعل هذا ما نسعى إلى تحقيقه من خلال مشروعنا الجديد.

فكونوا بالقرب!