وُلِد لي وأنا على رأس الثامنة والستين من عمري غلام سررت به، لأنه إحدى الزينتين والوصلة بين السلسلتين وحزنت من أجله إشفاقا عليه، لأنه “ولدُ الشيبِ” لا يُدرَى في أي الأحضان يربى، ولا يعلم كيف يقطع عقاب الحداثة حتى يبلغ مستوى الاستقلال في شؤونه، فأحببت أن أترك له تراثا أدبيا تصونه صدور الصحف، حتى يترعرع فتمثله له مرشدا سويا وناصحا أمينا يقوم لديه مقامي بالتربية والإرشاد، إذ لا مطمع لي بأن أبقى حيا إلى أمد يعي فيه ما أشافهه به من عبارات التأديب والتهذيب، كما أشرت إلى ذلك في صدر القصيدة الآتي ذكرها مخاطبا إياه بقولي:
مــولاي أنـت المنعــم المتفــضل — إيــاك كـــل الكـــــائنــــات تبجــل
ولمجدك الأسنى المحامد كلها — ولقدسك الأسمى الثناء يرتل
حققت لي بعد القنوط المرتجى — ما خــــاب ذو رجــو عليك يعول
فمنحتني كـــرما غــــلاما وجـــهه — أضحى به وجه السعـادة يقبل
لمـــا أهـــلّ غـــدا بأرجــــاء الحمى — داعي السعادة والهنا يتهلل
من بعد ألــــف جــــاء في تاريخه — اسمــا لـــه أرخ حسين فيصـــل
ابٌنيّ أنـــت وديعـــة الله الـــذي — هـــو بالـــودائع خير من يتكفل
أبصرت نجمك في الديار وإنني — لأخال شمسي عن قريبٍ تأفل
فإلى الإلـــه وكــلت أمــرك إنـه — نعـــم الوكيل لنا ونعــم الموئل
أولاك مولاك السعـادة والرضا — وحبـــاك سعـــياً بالنجـــاح يكـــلل
ووقاك من غدر الزمان ومكره — وعليـــك فيـــما ترتجي يتفضــــل
الاعتصام بالدين وترك البحث بالقدر
ابٌنـــيّ ثـــق بالله واعلــــم أنــــــــه — هو وحــــده ما شـاء فينا يفعل
الجــــأ إلى ظـــل الديـــانة واطرح — ما قال فيـــــها ملحــــد ومضـلل
أمسك عن الأبحاث في قدر ودع — ما قـــال فيــه مجــــبر ومعـــطل
طلب الغنى:
الفقر والغنى، والزهد والكسل، التوكل، الحرص على الوقت
انشـــط ولا تكسـل لإحـراز الغنى — فالفقــــر للكســـــل الرفيق الأول
والـــذل في كنـــف الفقير مخـيم — والعــــز في الـــدنيا لمـن يتحـــول
والفقــر ستر للمحـــــاسن والغنى — ستر على وجه المساوئ مسدل
والأغنــــــــياء مبجـــــلون وإن هــــم — في كــــل منقصة غلوا وتوغلوا
والممــــلقون محقــــرون وإن هــم — من كــــل مكــرمة جنوا وتموّلوا
كم أحمـــق تخـذ البطـــالة حـــــرفة — كســــلاً ويــــــزعم أنـــه متــــوكل
إن التــــــــوكــــل غــير معقــــول بما — للخــــلق فيـــه تخــــــير وتحـــــيل
والوقت من ذهب فلا تذهبه في — ما ليـــس للمجـد الرفيـــع يؤثل
المجد والعلم، والجهل والمال، والكرم والبخل
زيــــــن ثــــــــراءك بالعـــــــلوم فـــــــإنما — بالمــــــال والعـــــــلم المفـــــاخر تكمل
ما الجــــاهل المثـــري المواتي شحه — إلا حمـــــــــــــــــار بالنضـــــــــــار مجـــــــلل
العلـــــــــم مفتـــــاح النجــــــــاح وبــــابه — في وجـــــه من ألــف الجهالة مقفل
والمــــال بالإنفــــــاق ينقــــــص عـــده — وبه المعـــــارف عـــــدها يتسلــــــــسل
كـــــم أمة صــــارت رؤوســا وهي من — قبــــل العنـــــــاية بالمعـــــارف أرجــــــل
كم للمغـــــارب من حصــــــون علومها — في الشـرق غـــــارات تشــــــن وجحفل
ولكــــم تجــــرد مـــن مـــدارس علمــها — في الشرق سهم لا يطيش ومنصل
ملكـــــت بها منــــا النـــــواحي عنــــوة — فهي الصيــــاصي جنـــــدها لا يفشل
جنــــــد يـــــراع الحـــــــوت منــــه بـــــلجّةٍ — وبجــــــوه يخشى سطـــــــاه الأجـــــدل
فالجهـــــل مخـــــذول الجيـــــوش وإنما — جيش المعـــــارف واحـــــد لا يخــــذل
السعي بالمعاش والتأني في العمل، واغتنام الفرص، والاقتصاد بالإنفاق، وكتمان الغنى والفقر
أجمــــل لسعيك للمعــــاش وعانه — من كـــــل وجـــــه بالمروءة يجمل
لا تعجـــلن فيما بـــــدا لك وانظرن — بسنى الـــــروية ما تقول وتفعل
وكــــن اللبيب ولا تضيـــــع فـــرصة — سنحت فكم فيها المآرب تحصل
اســـلك سبيــــل الاقتصـــاد فـــإنما — بالاقتصــــاد إلى الغنى يتـــوسل
اقـــــرأ ولا تجهـــل وخـذها وازعـــا — حكما على إنفــــاق مـــالك يعدل
لا تظهـــرن غنى فتــــوقظ حاسدا — يغــــري بوفرك مـــن يخون ويختل
أحبب لغيرك ما تحب لنفسك، الخلق عيال الله فانظر إليهم بعين الإجلال والإعظام. جامل الناس الى حد،
حسن ظنك بالناس مع الاحتراز منهم، قابل الناس بوجه بشوش ولفظ حسن.
ولغيرك ارضــــــى بمــــــــا لنفسك ترضى — هـــــــذا هو الشــــــــرع الأتم الأكمل
والخـــــــــــلق كلهم عيــــــــال الله مـــــــــا — أحــــــد ســـــوى الله الخلائق يكفل
فانظــــر جميعهــم بعــــــين مـــــلؤهــــــــا — لطف ومــــــرحمة وعــــــدل يشمـــل
جاملــــــهم ما استطعت لكــــن لا تكـــــن — مــــــا بينهم حــــملا يصــــــاد ويؤكل
حســـــــــــن ظنــــــــــــونك بالأنــــــــام تــــأدبا — وكــــــن امرءًا عن كيــــدهم لا يغفل
قـــــــابل ببشـــــــــرك كــــل مـــــن لاقيتـــــــه — وليحلُ لفظك في الخطاب ويسهل
فالبشــــــر واللفـــــظ المهـــــــذب منهــــــل — من ورده الصـــــافي المـــــودة تنهل
آداب المتكلم والمستمع
خفف على الجلســــــاء إن حــــدثتهم — إن المطيــــــــل حـــــــديثه مستثقــــــل
واخفــــض إذا حـــدثت صوتك واجتنب — ما اعتــــــاده بحـــــديثه المستعجــــــل
هـــــذب كــــــلامك ولتكـــــن ألفــــاظه — دررا بهــــــا سمع الجــــــليس يجمـــــل
نـــــوع حــــــديثك وانتقـــــــل فيه كمــا — فـــــي الــــــروض مصطبحًا تنقل بلبل
حـــــدث بأحســـن ما انفــــردت بحفظه — واتــــــرك أحــــــاديثا تعـــــاد وتصقــــل
لا تذكــــــــرن قضيــــــة تصـــــديقــــــها — عقــــــل الـــــذي جالســــــت لا يتحمـل
ودع الفضــــول من الكـــلام كقولهم — أسمعت؟ أم أفهمت؟ أم هل تعقل
هـــــذي عكــــــاكيز اللكـــــونة فــابتعد — عنهــــا وإلا استــــــاء منـــــك المحفل
ودع البــــــــذاءة وإن تحتم ذكــــــــــــره — فأشـــــــر لـــــــه بكنــــــاية تستجمــــــل
لا تقطعــــن على الجــليس حــــــديثه — إذ ليس هـــــــذا بالمهـــــذب يجمــــــل
وإذا أتــــى بحكـــــــــاية معلومــــــــــــة — أظهــــــــر بأنك للحكـــــــــاية تجهــــــــل
أقبـــل عليه باسمــــــــا متشـــــــــــــوقا — واصــــــــغ إليه بمسمــــــــع لا يذهـــــل
لا تستعد منه الحــــــديث فــــــــإن ذا — عـــــــبء على سمع المحـــــــــدث يثقل
الإحسان بلا منٍّ وترك ما لا يعنيك
أحسن ولا تمنن فإحسان الفتى — المتبـــــوع منًّا بالإســــــــــاءة يبدَل
عـــــــان الذي يعنيك واتــرك غيره — وكـــــن اللبيب فيما تقول وتفعل
ملابسة الحكومة وترك السياسة
لا تبعـــدن عن الحكــــومة واقترب — منها اقترابك من حطام يشعل
ودع السيـــــاسة إن أردت ســلامة — باب السياسة للمعــــاطب مدخل
وإذا دعتك لها الشؤون ولم يكن — لك عـــن ورود حيــــاضها متحول
فالزم بها رأي الجمـــــــــاعة سالكا — منهاجهم فهو الطريق الأمثل
اجتناب الخصال الذميمة
أمـراض قلبك إن أردت شفاءها — فــــاذكر بأنك عـــــن قــريب ترحل
فاحـــذر خصالا قد أتت مذمومة — فــي كل شرع فهي سم يقتل
هي غيبة ونميمـــــــة وخيـــــــانة — حســـــــد وحقد ســـــرقة وتحيل
ملـــــق وتغـــــرير ريـــاء سمعــــــة — غش نفـــــاق خــــــدعة وتقــــول
حـــــرص وتيه وادّعا مــــا لم يكن — بئس المساوئ شرها لا يجهل