اغتنم الفرص فربما لا تعود:
لحظةً يا صاحبي إنْ تغفُل * ألفَ ميلٍ زادَ بعدُ المنزِل
رامَ نقشَ الشّوكِ حيناً رجُل * فاختفَى عن ناظِرَيْهِ الـمحمَل
أبيات قالها أمير الشعر في عصره الشاعر الهندي (محمد إقبال) يصف فيها إنساناً تائهاً في مفازة ــ صحراء ــ يمشي على قدميه، فشهد على بعدٍ منه مَحْمِلاً فيه أسباب النجاة والفوز من الهلاك الذي بات وشيكاً منه، فأسرع متعجِّلاً يقصد ذلك المحمل حافياً متلهِّفاً، آملاً نجاته بالوصول إليه، وفي تلك الأثناء أصاب الشوكُ قدميه، فصرف بصَرَهُ عن المحمل لحظةً لِنزع الشوك من قدميه، فذهب المحمل عنه وغاب! ومات أمله، ولبسته الحسرات والندامة!!
وهذا حال الكثير من الفتيان والشباب الذين هم في مقتبل العمر، وخاصة أيام القراءة والدراسة والطلب، يضعون المشاريع تلو المشاريع، والمخططات الكثيرة، ويعقدون الآمال الكبيرة ولكن لا ينفذون منها شيئاً، والسبب أنه تمر بهم بعض المحفِّزات التي تحرك فيهم الهمة والعزيمة الراكدة ولكنهم ما إن بدؤوا بأمرٍ ما إلَّا وتتلاشى معه الآمال وتفتر أمامه الهمم وتخور منه العزائم وهذه آفة الكثيرين وللأسف.
وإذا شخَّصنا سبب ذلك: عرفنا أنه يكمن في: ضعف الإرادة وفتور الهمة، لذا حقيقٌ بمن أراد فعل شيءٍ أن لا يتحول عنه أبداً حتى ينالَه ويصلَ لمراده ومبتغاه، ولو لقي في سبيل ذلك الشدائد والألاقيَ والنصبَ والتعب، فالواقفون على قمة الجبل لم يهبطوا من السماء؛ بل بذلوا الجهد الكثير ولاقوا ما لاقوه حتى وصلوا إلى القمة والذروة.
بِقَدْرِ جهدك تَنَلْ ما تريد:
لا تحسبِ الـمَجدَ تمراً أنت آكِلُه * لن تبلغَ المجدَ حتى تلعَقَ الصَّبِرا
فيا أيها الشاب الطموح: في زحمة الحياة في القرن الحادي والعشرين، وفي ظل الصرخة التكنولوجية الهائلة وفي عصر الابتكارات الحديثة، ما عاد التَّواني والتقاعس ينفع، فالقطار يمر بسرعة غير متصورة وغير متوقَّعة، وحتى يتم لك إنجاز أي عمل تريد أن تعمله وتحققه لا بدَّ لك أن تتحلَّى بصفتين أساسيتين وهما: (1- الإرادة، 2- والقدرة على الفعل)، وإذا تساءلنا وقلنا أيهما أهم فسأقول لك: (الإرادة) لأن الإنسان حين يريد الحصول على شيء فإن إرادته تدفعه في طريق توفير أسبابه وأدواته، تماماً مثل الجائع الذي لا يملك طعام يومه، فإن حاجته الحثيثة للأكل ورغبته الشديدة في الطعام وإرادته القوية في الحصول عليه سوف يدفعانه للبحث ولاختراع ألف حيلة وحيلة من أجل ذلك.
فمع الإرادة القوية والتصميم يمكن أن تحقق المعجزات وتحطم المستحيل، ومع الإرادة القوية لا يوجد مستحيل كما قالوا، أما إذا فقدت الإرادة فسيحل محلها اليأس والضعف، ومع اليأس ستَحِلُّ عليك المصائب والفاقات.
نماذجُ أرادتْ فوصلتْ:
– كلنا يعرف الصحابي الجليل بلال بن رباح الذي كان عبداً ضعيفاً ليناً هيناً، لا يُسمَع له صوت عند أمية بن خلف، فلما تعرَّف بلال على الإسلام وسماحته وعدالته؛ أسلم، فما إنْ علِم أميةُ بإسلامه إلا وبدأ هو والمشركون بتعذيبه، فكانوا يخرجون به في الظهيرة التي تتحول الصحراء فيها إلى جهنم قاتلة، فيطرحونه على حصاها الملتهب وهو عريان، ثم يأتون بحجر مُتسعِّر كالحميم، ينقله من مكانه بضعة رجال، ويلقون به فوق صدره الضعيف، ظنّـاً منهم أنهم بذلك يستطيعون ثَنْيَ إرادته، ويصيح به جلادوه: (اذكر اللات والعزى) ففيها نجاتك، فيجيبهم: (أحد…أحد…)، وإذا حان الأصيـل أقاموه، وجعلوا في عنقـه حبلاً، ثم أمروا صبيانهـم أن يطوفوا به جبالَ مكـة وطرقَها، وبلال لا يقول سوى: (أحد…أحد…) فيأتي أبو بكر الصديق وهم يعذبونه، ويفتديه بماله ثم يقول له: اذهب فأنت حر.
فانظروا أيها الشباب إلى قوة إرادة بلال، لم يلِنْ ولم يهُنْ ولم ييأس ولم يستسلم، فَبِصبره وعزمهِ ورباطة جأشه صار حراً، ودافع عن الإسلام، ووصل لما أراد.
– جميعنا نستضيء بالمصباح الكهربائي ونستفيد من هذه النعمة العظيمة التي وهبها الله للبشرية، ولكن هل تعلمون أن “أديسون” الذي اكتشف المصباح كان يمتلك إرادة جبارة، وعزيمة وصبراً كبيرين، فكم محاولة حاولها حتى اخترع مصباحاً لا يعمل على الزيت؟
يحكى أنه كانت له تسعمئة وتسع وتسعون محاولة غير ناجحة ولكنه في المحاولة الألف نجح في اكتشافه، وعندما قيل له: لقد فشلت مئات المرات، أجابهم قائلاً: بل نجحت مئات المرات عندما عرفت أن تلك الطرق لا تصلح لصنع المصباح الكهربائي… لقد كانت إرادته عظيمة، وكذا إصراره وتصميمه وصبره… كل ذلك كان سبباً في نجاحه والوصول لما أراد.
– نتعلم الإرادة من النملة التي تسحب سنبلة قمح مليئةً بأضعاف حجمها، وتحملها المسافات الطويلة، وتمشي وتمشي وتتعثر وتسقط من علو، وتفلت منها السنبلة، وتلاقي الألاقي، لكنها في النهاية بإرادتها القوية الصلبة تصل لبغيتها وهدفها، فمن أراد وصل المراد.
ستة أشياء تقوي إرادتك:
ربما يتساءل البعض قائلاً ما هي السبل المتبعة لتقوية الإرادة، والجواب يتلخص في الآتي:
1- نحن جميعاً بحاجة لمعونة الله كي ننتصر على أنفسنا وضعفنا وشهواتنا وعاداتنا السيئة، وإن خير ما نستنزل به تلك المعونة هو مجاهدة النفس والتحمل والصبر، فالله تعالى يقول: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا} ويقول: {وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا}.
2- لِنُرَدِّد عباراتِ قوة الإرادة مثل: أنا معطاء وسأسدي المعروف للمحتاجين والمساكين، أنا شجاع وسأنصر المستضعفين، أنا مطيعٌ لله ومصمِّمٌ على أداء صلاة الفجر جماعة في المسجد، إرادتي قوية، أنا لست ضعيفاً، بل أنا قوي وقوي جداً، والله سيعينني على ما نويت من الخير.
3- لا بدَّ لتقوية الإرادة من التدرج، من خلال إلزام النفس بتنفيذ أشياء صغيرة ومحدودة، فإذا صارت جزءاً من سلوكاتنا، أضفنا إليها أشياء صغيرة أخرى، فمثلاً: أنا في الأصل لا أقرأ أبداً، فألزم نفسي بدايةً بالقراءة لمدة ربع ساعة على مدار سنة كاملة، ثم أزيد وأجعلها نصف ساعة وهكذا…
4- حاول أن تحرم نفسك من بعض الأشياء التي تحبها في سبيل إثبات وجودك أمامها، فمثلاً: إذا حدثَتْك نفسك بترك العمل أو الدراسة، ومشاهدة وسائل التواصل أو الكلام مع صديق كلاماً غير ضروري، فأخِّر طلبها ساعة. وهكذا…
5- كلما تخلصت من عادة سيئة أو شيء محرم حاول أن تستبدله بعادة حسنة، أو شيء نافعٍ.
6- صاحِب أشخاصاً معروفين بصلابة الإرادة وقوة العزيمة، فإنك ستقتبس منهم وتتحلَّى بما يتحلَّون به دون أن تشعر، فالمرء على دين خليله، والخليل الحقيقي من ينصرك وينصحك ويوجهك إلى الخير، قال الله تعالى: {سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطاناً فلا يصلون إليكما بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون}.
وفي الختام:
اعلموا أيها الشباب أن قاموس النجاح لا يحتوي على كلمة: (مستحيل) أو (غير ممكن)، وأنه بالمحاولة والإرادة تصلون لأهدافكم وإن سقطتم وتعثرتم، فالسقـوط ليـس فشـلاً … إنما الفشـل أن تبقى حيـث سقطـت، واعلموا أن هناك أناسا يسبحون في اتجاه السفينة، وهناك من يضيع وقته في الانتظار، فلا تكن من المنتظرين وكن من المبادرين واغتنم شبابك قبل هرمك وفراغك قبل شغلك.