استهداف الأوقاف وحراس الأقصى
نتابع في سلسلة “المسجد الأقصى.. أطماعٌ واعتداءات”، ونسلط الضوء في الجزء الخامس منه على محاولات الاحتلال استهداف دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس المحتلة، والتي تقوم على رعاية شؤون المسجد الأقصى خاصة، والأوقاف الإسلامية في المدينة المحتلة بشكلٍ عام، وتمثل الوصاية الأردنية على الأقصى والمقدسات في القدس، ويرصد المقال ما يتعرض له موظفو الدائرة وحراس الأقصى من اعتداءات متكررة وانتهاكات جسيمة، ومنعهم من الاقتراب من المقتحمين، وما يتصل بالتضييق على الدائرة وأعمالها، وخاصة منعها من القيام بمهامها المختلفة، ومنها ترميم مصليات الأقصى وساحاته وغيرها.
استهداف دائرة الأوقاف وموظفيها
يُعد التدخل المباشر في إدارة المسجد الأقصى جزءًا أساسيًا من مخططات الاحتلال الرامية إلى تثبيت الوجود اليهودي داخله، وخطوة أساسية لدى مستويات الاحتلال المختلفة لفرض السيطرة الكاملة على المسجد، وبطبيعة الحال تصاعدت خلال الأعوام الماضية دعوات المنظمات المتطرفة ومن يدعم أطروحاتها من قبل السياسيين الإسرائيليين، لإنهاء دور الأوقاف في المسجد، وتحويل إدارة المسجد إلى الاحتلال، وما يتصل بهذه المخططات من تصعيد لاقتحامات المسجد شبه اليومية، ومن ثمّ تقسيمه مكانيًا، إضافةً إلى تهميش دائرة الأوقاف وقضم صلاحياتها باستمرار، ليصل الاحتلال إلى النقطة التي يفرض فيها نفسه مكان الدائرة مشرفًا على المسجد، ومسيرًا لشؤونه.
وفي سياق متصل بهذا العدوان على الأوقاف، يتعرض موظفو الدائرة لاعتداءات دائمة من قبل قوات الاحتلال، وفي مقدمتهم حراس المسجد الأقصى، الذين يشكلون دائرة المواجهة الأولى مع مقتحمي الأقصى، وخلال السنوات العشر الماضية فرضت سلطات الاحتلال تضييقات كبيرة على عمل الحراس، فقد منعتهم من الاقتراب من المقتحمين، واستهدفتهم بشكلٍ مباشر من خلال الاعتقال المتكرر، من مكان عملهم وهو أبواب الأقصى وداخل ساحاته، وما يتصل بعمليات الاعتقال من إصدارٍ لقرارات الإبعاد عن المسجد مددًا متفاوتة، بل أصدرت بحق بعضهم قرارات سجن، وهدم منازل آخرين، على خلفية دورهم في صد الاقتحامات، وقد كشفت محاولات المستوطنين إدخال القرابين الحيوانية الحية أو قطع اللحم إلى الأقصى خلال الشهرين الماضيين، بأن الاحتلال حرص على إضعاف الحراس وتقليل أعدادهم لألا يستطيعوا صد هذه المحاولات، وهو ما يفتح المجال أمام المستوطنين للمضي قدمًا فيما يريدونه من أداء الطقوس العلنية وإدخال القرابين وأدوات الطقوس التلمودية المختلفة.
وإلى جانب حراس المسجد الأقصى يتعرض عددٌ من مسؤولي دائرة الأوقاف الإسلامية ورموز القدس إلى اعتداءات مختلفة، في سياق تعميم أدوات القمع التي تستخدمها قوات الاحتلال، ومعاقبة أي شخصيات في الدائرة تقوم بجهود لمواجهة مخططات الاحتلال في القدس والأقصى. فقد شهدت السنوات الماضية استهدافًا متكررًا لنائب مدير عام دائرة الأوقاف الإسلامية د. ناجح بكيرات، ففي نهاية عام 2023 اعتقلته قوات الاحتلال، ومن ثم فرضت عليه قرارات بالاعتقال الإداري، ومن ثم أُبعد عن القدس، وما زال مبعدًا عن الأقصى حتى كتابة هذا المقال، كما تعرض خطيب المسجد الأقصى الشيخ د. عكرمة صبري إلى حملات تحريضٍ متتالية، واستدعاء متكرر إلى التحقيق بذرائع واعية من بينها الترحم على شهداء غزة من منبر المسجد الأقصى، وغيرها.
وفي المحصلة، يستهدف الاحتلال موظفي دائرة الأوقاف بأشكال مختلفة، أبرزها:
- منع حراس الأقصى من الاقتراب من المقتحمين.
- الاعتقال المتكرر من مكان عملهم ومن منازلهم.
- الإبعاد عن الأقصى مددًا متفاوتة.
- استهداف مسؤولي الأوقاف بالاعتقال والإبعاد.
- فرض إغلاق عددٍ من أبواب الأقصى، في أوقات معينة من اليوم.
- التدخل في عمل الموظفين.
- الاعتداء الجسدي واللفظي على موظفي الأوقاف.
- منع عمال لجنة إعمار الأقصى من متابعة أعمالهم، وتهديدهم بالاعتقال والإبعاد.
منع أعمال صيانة الأقصى وترميمه
رسخت سلطات الاحتلال في السنوات الماضية سياسة منع عمارة المسجد الأقصى وصيانة مرافقه، فإلى جانب منع دائرة الأوقاف من تنفيذ عددٍ من مشاريع العمارة الضرورية للمسجد الأقصى، تعرقل سلطات الاحتلال أي أعمال صيانة تتم داخل المسجد، وتهدد موظفي لجنة الإعمار القائمة على هذه المشاريع بالاعتقال والإبعاد، إلى جانب توفير الحماية اللازمة لعناصر “سلطة الآثار” الإسرائيلية الذين يقتحمون المسجد، ويعملون على معاينة ما تقوم به لجنة الإعمار من ترميمات وأعمال صيانة مختلفة.
ويشكل منع الترميم وعرقلة مشاريع الإعمار في الأقصى واحدةً من صور تدخل الاحتلال في إدارة المسجد، ويهدف الاحتلال من خلاله إلى فرض رقابة صارمة على المسجد، وإجبار دائرة الأوقاف على اطلاعه على أي أعمال تقوم بها فيه، وأدت سياسة منع أعمال الصيانة والترميم إلى انهيارات مختلفة في عددٍ من المواقع داخل المسجد الأقصى، وأبرزها في التسوية الجنوبية الغربية، وداخل مصلى قبة الصخرة. إلى جانب أهداف الاحتلال الرامية إلى ترك المسجد الأقصى في حالة متردية من ناحية العمارة والترميم، وإمكانية أن تصبح بعض مباني المسجد آيلة للسقوط، تحاول سلطات الاحتلال أن تتخذ من ملف الترميم والعمارة أداةً لفرض المزيد من التدخل في الأقصى، وممارسة الضغوط على دائرة الأوقاف ليصبح ترميم الأقصى أداة يقايض بها الاحتلال دائرة الأوقاف، ويدفعها إلى الموافقة على ما يُريد فرضه في الأقصى وأمام أبوابه، في مقابل السماح لها بإجراء بعض عمليات الترميم في المسجد الأقصى.
ومنذ بداية شهر تموز/يوليو 2023، منعت سلطات الاحتلال دائرة الأوقاف من تنفيذ أي عمليات ترميم داخل المسجد الأقصى، وبحسب مدير عام دائرة الأوقاف الإسلامية فقد منعت قوات الاحتلال لجنة إعمار المسجد الأقصى من العمل في ترميم المسجد، وهدّدت موظفي اللجنة بالاعتقال إذا باشروا أعمالهم، ولم يقف المنع عند الموظفين فقط، بل شمل منع إدخال أي مواد ضرورية لعمليات الصيانة والترميم. وبحسب مدير دائرة الأوقاف في القدس المحتلة عزام الخطيب بدأت هذه الإجراءات في 2/7/2023، إذ منعت شرطة الاحتلال موظفي اللجنة من القيام بأعمالهم بشكل كامل، وبحسب الخطيب فإن هذه الإجراءات جزء من محاولات الاحتلال إنهاء عمل لجنة الإعمار، وصولًا إلى إخراجها من الأقصى.
أعمال ترميمٍ ضرورية تعرقلها سلطات الاحتلال
تُشير مصادر دائرة الأوقاف الإسلامية، إلى أن سلطات الاحتلال تُعرقل تنفيذ نحو 27 مشروعًا متصلًا بعمارة المسجد الأقصى وترميمه، وتفرض منعًا للعديد من الإجراءات المهمة المتصلة بصيانة أجزاء من المسجد الأقصى، وخاصةً مصلياته المسقوفة، وبحسب هذه المصادر فإن سلطات الاحتلال تمنع تنفيذ مشاريع ضروريّة على غرار مشروع الإنارة الداخلية لمصليات المسجد الأقصى المسقوفة، وخاصة القبلي وقبة الصخرة، وإجراء إصلاحات ضرورية لشبكات المياه والكهرباء، والإطفاء، والإنذار، ومعالجة تسريب المياه من أسطح المصليات المسقوفة، وتبديل القبة الرصاصية للمصلى القبلي، وإجراء إصلاحات متعددة لأرضيات المسجد، وخاصة الساحات التي تأثرت بفعل حفريات الاحتلال أسفل المسجد وفي محيطه.
وفي النقاط الآتية أبرز المشاريع التي تعرقلها سلطات الاحتلال وتمنع دائرة الأوقاف الإسلامية من تنفيذها:
- ترميم وإعادة بناء عددٍ من النوافذ الجصية، التي يحطمها جنود الاحتلال في اقتحامات الأقصى.
- أعمال صيانة مصلى باب الرحمة وترميمه من الداخل والخارج.
- ترميم الطريق المحيط بمصلى باب الرحمة.
- ترميم البوائك المحيطة بصحن مصلى قبة الصخرة.
- صيانة الرخام الداخلي والخارجي لقبة الصخرة.
- مشروع الإنارة الداخلية لمصليات المسجد الأقصى المسقوفة، وخاصة القبلي وقبة الصخرة.
- ترميم 94 عمودًا من أعمدة المصلى المرواني، وقد رفضت سلطات الاحتلال إدخال لجنة من الجمعية العلمية الملكية للقيام بهذه الأعمال الدقيقة من الترميم.
- تبديل نحو 25 سماعة معطلة، بعضها تم تخريبه على أثر اقتحامات المسجد الأقصى، وهذا ما يؤثر في توزيع الصوت في المسجد الأقصى.
- إجراء إصلاحات ضرورية لشبكات المياه والكهرباء، والإطفاء، والإنذار، وغيرها.