اقتحامات الأقصى ومحاولات تكريس الوجود اليهوديّ داخله
يُشكل اقتحام المسجد الأقصى المبارك، محاولة حثيثة من قبل الاحتلال وأذرعه المختلفة، لتكريس وجود يهوديّ دائم داخل الأقصى، وتصدير مشهد السيطرة الدينيّة عليه، في سياق معركتي “السيادة” على المسجد، وتثبيت العنصر البشري اليهودي الاستيطاني في جنباته، وهو ما يدفع الاحتلال لإشراك المزيد من الأذرع في هذه المعركة، وخاصة أذرعه الأمنية والقضائية والسياسيّة.
وقد تناولنا بشيءٍ من التفصيل مخططات الاحتلال في المقال الأول، وخاصة مخططات التقسيم الزماني والمكاني، وفي المقال الثاني أوردنا تطور مخطط فرض الطقوس اليهوديّة العلنية في الأقصى، وخاصة تلك المتعلقة بـ”المعبد” المزعوم، ضمن استراتيجيّة “التأسيس المعنوي للمعبد”، أما في هذا المقال، فنسلط الضوء بشيء من الاستفاضة على أهداف الاحتلال من اقتحام المسجد، وتطور أعداد مقتحمي الأقصى في السنوات الماضية، وأبرز المشاركين فيها وغيرها.
لماذا يسعى الاحتلال إلى تكثيف اقتحامات الأقصى؟
يستغل الاحتلال اقتحامات الأقصى في سياق إبراز “السيادة الإسرائيليّة” على المسجد، وليكون وجود المستوطنين في المسجد الأداة الرئيسيّة لفرض التقسيم الزماني والمكاني، وللتحكم في شؤون المسجد، وتهميش دور دائرة الأوقاف الإسلامية، وإلى جانب ما سبق تهدف سلطات الاحتلال من تكثيف الاقتحامات ورفع حجم المشاركين فيها وتعدد شرائحهم من المستوطنين، إلى تحقيق ثلاث غايات أساسية، هي:
- استهداف قدسية المسجد الأقصى، وهي قدسية تتصل بمعرفة المسجد ومساحته، وما يتصل بهذه القضية من لغط ما زال منتشرًا حتى اليوم حول مساحة المسجد الأقصى ومصلياته، على الرغم من العديد من حملات التصحيح، لتصويب هذه المعلومة، إذ تنتشر معلومات مغلوطة من قبيل الإشارة إلى مصلى قبة الصخرة بأنه الأقصى، أو الإشارة إلى المصلى القبلي بأنه المسجد الأقصى، وغياب الأصل بأن المسجد الأقصى “كل ما دار عليه السور”، بما فيه من مصليات وساحات وغيرها، وهو معطى مركزيّ في قضية الدفاع عن المسجد في مواجهات مخططات التقسيم وتحويل الاحتلال إلى كيانٍ طبيعيّ في البيئتين العربية والإسلامية وغيرها. وما يتصل بقضية القداسة، من محاولة تطبيع الجمهور مع تدنيس المسجد الأقصى، فلم تعد اقتحامات الأقصى تُثير حالة من الرفض والغضب، كما كانت عليه في سنوات ماضية، إذ أصبح خبر الاعتداء على المسجد عاديًا، متكررًا.
- استبدال المكون الاستيطاني اليهودي بالمكون البشري الإسلامي، ورفع أعداد المقتحمين ليشكلوا العنصر الطاغي على المسجد الأقصى، في معركة يريد منها الاحتلال أن يجعل العنصر اليهوديّ هو المسيطر على مشهدية المسجد.
- تمكين قوات الاحتلال من إدارة كل شؤون المسجد الأقصى، وهو ما يسعى إليه الاحتلال حاليًا، حيث صعدت قواته من ممارساتها منذ السابع من أكتوبر، من خلال تصعيد فرض القيود المختلفة أمام أبواب المسجد، وفي الطرق المؤدية إليه، وتقليل أعداد المصلين القادرين على الوصول إلى الأقصى، وما يتصل بذلك من تدخل قوات الاحتلال في إدارة المسجد والتحكم في فتح وإغلاق أبوابه، وتركيب بوابات أو أقفاص حديديّة أمام عددٍ من أبواب المسجد.
ضرب الحصرية الإسلامية عبر رفع أعداد مقتحمي الأقصى
عمل الاحتلال على تثبيت الاقتحامات وزيادة عدد المشاركين فيها، في مسار متصاعدٍ من محاولات تثبيت الوجود اليهوديّ في الأقصى، وعمل الاحتلال على رفع أعداد مقتحمي الأقصى من خلال ثلاثة أنساقٍ مركزية، تهدف لكسر إرادة المقدسيين، وضرب الحصرية الإسلامية للمسجد، والعمل على التدخل الدائم في إدارته، وكانت أولى هذه الخطوات: عمل أذرع الاحتلال على إدخال أكبر قدرٍ ممكن من المستوطنين إلى المسجد، ورفع أعداد المقتحمين مستفيدين من الأعياد اليهوديّة، ونشر فكرة اقتحام الأقصى في المزيد من الشرائح الاجتماعية ضمن المجتمع الإسرائيلي.
أما النسق الثاني، فيكون عبر السماح للمتطرفين اليهود بأداء الطقوس اليهوديّة أمام أبواب المسجد، ومن ثم داخل ساحاته وقرب مصلياته، وتماهي أذرع الاحتلال الأمنية مع المقتحمين في هذه النقطة، من خلال حماية المستوطنين خلال أدائهم الطقوس العلنية، وتطورت لاحقًا حدّ مشاركة عناصر أمنية في أداء هذه الطقوس، وتلقي تبريكات من الحاخامات المشاركين في هذه الاقتحامات.
أما النسق الثالث، فهو من خلال تأمين الحماية للمستوطنين خلال الاقتحامات عامة، ومنع العنصر البشري الإسلامي من عرقلة أداء هذه الطقوس، ولو بالوجود فقط، أو أداء الصلاة في مسار الاقتحام، وقد تصاعدت هذه الخطوات إلى حدّ منع حراس الأقصى من الاقتراب من المقتحمين مسافة 200 متر، ومنعهم من تصوير المقتحمين، وما يتصل بهذه الخطوة من فرض العقوبات على حراس المسجد وموظفي الأوقاف، والمرابطين في المسجد، وإخلاء المسجد بشكلٍ شبه كامل خلال أوقات الاقتحام.
من الطلاب إلى العناصر الأمنية، من يقتحم الأقصى
يُشارك في اقتحام المسجد الأقصى عددٌ من أذرع الاحتلال المختلفة، تتنوع شرائحهم وفئاتهم، في إشارة إلى محاولة أذرع الاحتلال نشر فكرة “المعبد” في المزيد من الشرائح الاجتماعية لدى جمهور المستوطنين، ومن أبرز الفئات التي تقتحم الأقصى، هي:
- المستوطنون اليهود، ومن بينهم شريحة من عتاة المتطرفين، الذين يقتحمون الأقصى بشكلٍ متكرر، ويرتدون عادة اللباس التلمودي.
- الطلاب اليهود، وخاصة طلاب معاهد الاحتلال التلموديّة.
- وزراء في حكومة الاحتلال، وأعضاء في “الكنيست” الإسرائيلي.
- عناصر الاحتلال الأمنية باللباس العسكري.
- مخابرات الاحتلال وشرطته باللباس المدني.
- ضباط الاحتلال وعددٌ من القيادات الأمنية.
- موظفو سلطة الآثار الإٍسرائيلية.
- السيّاح الأجانب، الذين يقتحمون المسجد ويتلقون شروحاتٍ عن “المعبد”.
المحصلة: أعداد مقتحمين متصاعدة
انعكست إجراءات الاحتلال، وتسخيره للأعياد اليهوديّة، لتكون مواسم لتصعيد العدوان على الأقصى، والاعتداء على مكوناته البشرية، على تصاعد أعداد المقتحمين في السنوات الماضية، فقد بلغ عدد مقتحمي الأقصى ما بين 2009 ومنتصف عام 2024، نحو 328090 مستوطنًا. ومما يدلل على تحقيق الاحتلال قفزات في عدد مقتحمي الأقصى، أن عددهم منذ بداية عام 2022 وحتى منتصف عام 2024 بلغ نحو 120806 مستوطن، ما يعني أن نحو 36% من عدد مقتحمي الأقصى في السنوات الماضية تم في هذه المدة الزمنية القصيرة.