[ المقالة ]

المسجد الأقصى.. أطماعٌ واعتداءات -2-

ذبح-قرابين

سلط المقال الأول من هذه السلسلة الضوء على أبرز استراتيجيتين للاحتلال، يستخدمهما ليفرض وجود مستوطنيه داخل المسجد الأقصى المبارك، ويحاول من خلالهما فرض سيطرته على المسجد أو أجزاء منه، وهما التقسيم الزماني والمكاني، وبيّن المقال أبرز المخططات التي استخدمتها سلطات الاحتلال لتحقيق التقسيم، وما هي المواضع في الأقصى، الأكثر استهدافًا من قبل هذه المخططات، واستكمالًا للحديث عن المخططات، يتناول المقال الثاني استراتيجيّة جديدة، بدأت أذرع الاحتلال بفرضها في السنوات الخمس الأخيرة، والتي تقوم على فكرة فرض الطقوس اليهوديّة العلنية في الأقصى، وخاصة تلك المرتبطة بـ “المعبد” المزعوم، وهو ما يُعرف بـ “التأسيس المعنوي للمعبد”.

من محاولة تقسيم الأقصى إلى التعامل معه على أنه “المعبد”

ارتكزت استراتيجيات الاحتلال على مخططي التقسيم الزماني والمكاني للأقصى زمنًا طويلًا، ولكن هذه المخططات تعرقلت بالصمود الفلسطيني في المسجد، والهبات الفلسطينية المتعاقبة، وخاصة تلك التي اندلعت منذ عام 2015، وقد تزامنت هذه المراوحة من قبل الاحتلال مع صعود تيار الصهيونية الدينيّة وما أفرزته الانتخابات الإسرائيليّة وخاصة الأخيرة، من حضور متزايد لهذا اليمين في الحكومة الإسرائيلية، وفي الميدان السياسي بشكلٍ عام، ويُعدّ هذا التيار أبرز التيارات الداعمة للمنظمات المتطرفة، وفرض الوجود اليهودي في الأقصى، واستطاع هذا التيار أن يسجل أقصى حضور له في الحياة السياسية الإسرائيليّة من خلال الحكومة الحالية التي يقودها نتنياهو، فقد حصلوا على 16 مقعدًا وزاريًا من أصل 32، إضافةً إلى 29 عضوًا في “الكنيست”، يُشكلون 24% من حجمه.

وقد سعت الصهيونية الدينية إلى تحقيق المزيد من الإحلال الديني في الأقصى، وتحويل وجود المستوطنين في المسجد، من وجود مؤقت إلى وجودٍ دائم، يستوعب طقوس المستوطنين وعباداتهم، بالتزامن مع تصاعد حجم “منظمات المعبد” ودورها، فلجأ هذا التيار بالتعاون مع “منظمات المعبد إلى وضع استراتيجية تقضي بتحويل المسجد الأقصى من خانة “المقدس الإسلامي” الخالص، إلى خانة المقدس المشترك بين المسلمين واليهود، وهي خطوة مرحلية تمهد الطريق إلى تحويل المسجد الأقصى – في الوقت المناسب- إلى مقدس يهوديّ خالص، وهو ما تصاعد مع تعرقل التقسيم الزماني من خلال هبة السكاكين في عام 2015، وما تلاها من هبات، وتعرقل التقسيم المكاني من خلال هبة باب الرحمة في عام 2019، وقد دفعت هذه العراقيل والعقبات أذرع الاحتلال إلى التوجه نحو فكرة “فرض الطقوس العلنية داخل الأقصى”، والمضي قدمًا في محاولات الاحتلال نزع القدسية الإسلامية عن المسجد، واستهداف الحصرية الإسلامية.

مقدمات فرض الطقوس العلنية في الأقصى

لم تكن فكرة أداء الطقوس في الأقصى أمرًا جديدًا، إذ تعود هذه القضية إلى سنوات عدة، ولكنها شهدت جملة من التطورات، فمن أدائها بشكلٍ منفرد وصامت من قبل أعدادٍ قليلة من المستوطنين، إلى أدائها علنيًا وبصوت مرتفع، وبمشاركة حاخامات الاحتلال، وبالتوازي مع هذه التطورات، شهدت السنوات الماضية أداء الطقوس المتعلقة بـ “المعبد” المزعوم بشكلٍ أكبر.

وقد بدأ المستوطنون بمحاولات فرض “الطقوس اليهوديّة العلنيّة” منذ النصف الثاني من عام 2019، من خلال محاولة “التصرف وكأنّ المعبد اليهوديّ قد أُقيم فعلاً مكان الأقصى”، وبالتالي الحرص عند اقتحام المسجد على أداء كلّ الصلوات التي تتصل بـ”المعبد” وتحمل طابعًا “عباديًّا يهوديًّا”، وتتصاعد هذه الطقوس في الشكل والمضمون في الأعياد اليهوديّة. ويمكن تقسيم فرض الطقوس اليهوديّة العلنية من خلال مسارين:

  • الأول: نقل كل الطقوس التوراتية التي تتم في مختلف كُنس العالم إلى المسجد الأقصى المبارك بوصفه “المعبد” المزعوم.
  • الثاني: إحياء الطقوس التوراتية المختصة بـ”المعبد”، على غرار إحياء طبقة الكهنة، وإحياء القرابين الحيوانية والنباتية، و”السجود الملحمي” الكامل المتمثل في الانبطاح الكامل على حجارة الأقصى وغيرها من الطقوس.

أبرز الطقوس العلنية اليهوديّة التي يؤديها المتطرفون في الأقصى

من خلال رصد التقارير المعنية بالتطورات في القدس والأقصى، نورد في النقاط الآتية أبرز الصلوات التي يؤديها المستوطنون خلال اقتحامهم للمسجد الأقصى، وهي:

  • صلاتا الصباح (شحاريت) وما بعد الظهر (منحاه)، اللتان تؤديان بشكلٍ فردي أو جماعي.
  • طقس “نعنوع”: حركات اهتزاز وتمايل يؤديها المستوطنون ويظهرونها خلال صلواتهم في الأقصى.
  • صلاة (الشماع): هي تلاوة أول فقرات من “سفر التثنية”، وهي واحدةٌ من أهم الصلوات عند اليهود. وتصاعد أداء هذه الصلاة في المسجد الأقصى في السنوات الماضية.
  • صلاة بركات الكهنة: وهي طقوسٌ توراتية خاصة، يؤديها الحاخام برفقة تلاميذه، وتتضمن رفع الأيدي ووضعها فوق الرأس، وتلاوة فقرات من “سفر العدد” في التوراة.
  • صلاة التوبة أو الكفارة: تؤدى قبيل الأعياد اليهودية، وخاصة عيد الغفران، ويصاحبها ارتداء ثياب كهنوتية بيضاء تسمى ثياب “التوبة”، وهو لباس سدنة “المعبد” وكهنته.
  • احتفالات البلوغ (بار/ بات متسفاه): وهي الاحتفال ببلوغ الفتيان اليهود عمر الـ13 للذكور، والـ12 للإناث، يقرأ فيها المحتفل به ما حفظ من مقاطع التوراة، ثم يقرأ له الحاخام صلوات “البركة”.
  • السجود الملحمي (برخوت): ويظهر من خلال انبطاح المستوطن على الأرض بشكلٍ كامل، ومدّ يديه وقدميه ووجهه. ويمثّل السجود أقصى درجات الخضوع. ويطلق عليه لفظ “ملحمي”؛ لأنه يؤدى بحسب ادعاء المستوطنين في “المعبد”، فهو “محل سكن الرب”.
  • نفخ البوق (الشوفار): يتم النفخ فيه خلال 3 أيام في السنة، في صباحي الأول والثاني من رأس السنة العبرية، وفي مساء “عيد الغفران”.

أخيرًا:

يشكل أداء الطقوس المتعلقة بـ”المعبد” أبرز المخاطر الحالية التي تحيق بالأقصى، وهي استراتيجية بالغة الخطورة، إذ ترتبط بقضايا أُخرى ذات صلة بتصعيد أعداد مقتحمي الأقصى على غرار “البقرة الحمراء”، وقضية التطهر، إضافةً إلى تصاعد نفوذ الصهيونيّة الدينيّة وغيرها، ما يعني أن مسار الاعتداء على الأقصى مقدمٌ على المزيد من التطورات على المدى المنظور.