[ المقالة ]

سوريلي في مباراة كرة قدم

لقطة الشاشة 2024-07-02 023143

قرر السوريلي [السوري] أحمد أن يعيش لحظات المتعة والفرح والحماسة فذهب إلى الحديقة الكبيرة المجاورة لمنزله ليتابع مباراة بكرة القدم بين فريقي (تركيا & والتشيك) على الشاشة العملاقة التي وضعتها البلدية مشكورة ليعيش الشعب أجواء الحب والوئام بمشاهدة المباراة بشكل جماعي… ذهب أحمد برفقة عائلته كلها مصطحبين معهم العصير وبزر الشمس والشيبس.

فهذا هو محمد ابن الست سنوات والذي لا يعرف عن سوريا شيئا قد لبس كنزة العلم التركي وصار يصيح ويهتف طوال الطريق (تركيا دُم دُم دُم… تركيا دُم دُم دُم)…

وها هي رتيل قد توشحت بالعلم التركي وصارت كالسوبرمان وجعلت تدعو ربها قائلة: يا رب تربح تركيا على الفريق الآخر، الذي لا تعرفه أصلاً…

وعندما وصل أحمد وعائلته الحديقة قال منبّهاً جميع أفراد عائلته: (الله يوفقكم لا أحد يتكلم عربي… الكل يحكي تركي… ما بدنا مشاكل).

وحيد وسط الجموع:

وما إن بدأت المباراة إلا ورافق أحمد شعور مختلف نوعاً ما…  أشبه ما يكون بمشجع لنادي الريال قد جلس مع جمهور نادي برشلونة… أو بالأحرى أهلاوي يشجع الاتحاد جلس مع جمهور فريق الحرية… والله ما ينبس ببنت شفة أو يحكي كلمة لحتى يتبهدل ويتشرشح وينتعل سلّاف سلّافو…

نعم إنها لحظات تاريخية لأنني السوريلي الوحيد -وبكل فخر- الذي يشجع تركيا في تلك الحديقة الغنّاء…  ولكن -وللأسف- شعور الرعب والحِيطة يحيط بي من كل جانب… هل يا ترى إذا صحت وصرخت سيعرفونني من نبرة صوتي أنني سوريلي… هل يا ترى إن عرفوني أنني سوريلي سيفرحون ويبتهجون…

هل يا ترى إن عرفوا أن سوريلياً يشجع فريق بلادهم سيشعرهم ذلك بالفخر والاعتزاز… أو سيغضبون لأنه لا يحق لي أن أشجع فريقهم!

نعم… بعد قليل سأتجاسر وأستجمع كل قواي لأقول لهم بكل افتخار: إنني سوري وفخور بالفريق التركي وما يفعله على المستطيل الأخضر … لا لا لا…هذا التصرف خاطئ وغير حكيم.

خاطبتني نفسي: الآن انسَ الموضوع وتابع المباراة يا أحمد اش بدك بهالحكي الفاضي… والدراما والتراجيديا. صمتُ أتابع الشاشة مثل أولادي، ولكن عقلي يشرّق بين البلدان ويغرب، وينقلني بين إسطنبول وحلب وقصص الحرب والأصدقاء المهاجرين والآخرين الذين غابوا.

مرت ٣٠ دقيقة والمباراة مغلقة من كلا الجانبين والكل واجم ومتجهّم. ومن المعلوم أن الشعب التركي كثير التجهّم حتى من غير سبب، فكيف إذا كان هناك سبب؟!

هدف:

على كلٍّ وبعد ٥٠ دقيقة من اللعب دخل هدف رائع للفريق التركي، فقفز الكل وطاروا، وأنا وبدون شعور مني: قفزت ونطيت حوالي مترين وصحت من كل قلبي:

كووووووول … الله أكبر… الله أكبر. لقد ظهر من لهجتي أنني عربيّ! تلفّتّ يمينا وشمالا، ما الذي فعلتُه؟…. الحمد لله بسبب الضجيج لم يشعر أحد بذلك.

ثم عادت وتواردت الخواطر والأفكار مرة أخرى وعلى مبدأ راحت السكرة وجاءت الفكرة؛ هل يا ترى وبعد تسجيل الهدف  وفرحي به وقفزي حوالي المترين عن الأرض ستتغير نظرة هؤلاء الإخوة الأتراك عن السوريليين!

لاحظت شيئاً آخر:

الكل؛ عند تسجيل الهدف صار يعانق صديقه… إلا أنا كنت لوحدي ولا يوجد من يعيش اللحظات الجميلة معي… فمعظم أصدقائي قد هربوا من تركيا وهاجروا إلى أوروبا أو مصر أو غيرها من البلاد التي هربوا إليها لعلهم يستعيدون فيها شيئا من كرامتهم وعزتهم…

كانت الكرة تتناقل بين أرجل اللاعبين، فجأة خطر أيمن على بالي… تذكرت صديق الطفولة أيمن الذي كان يعشق كرة القدم، تذكّرت كيف فُقِد ولم يعد له أثر بعد الاعتقالات الأمنية في حلب، يا ترى هل مات حينها أو ما يزال يعيش في السجون؟

هل نحتفل في تركيا كما احتفلوا في ألمانيا؟

كان الجمهور التركي في ألمانيا يحتفل بهدف فريقه، نزل إلى الملعب واكتسحه بلباسه الأحمر رافعاً علم بلاده، قلت في نفسي:

هل لو كانت المباراة لسوريا ضد فريق آخر على الأراضي التركية سنستطيع أن نعبر عن فرحتنا مثلما فعل الأتراك في ألمانيا؟

وهل سنرفع العلم الأخضر علم ثورتنا ونهتف بعزة وكرامة: سوريا… سوريا…

لم يستطع عقلي أن يتخيل ذلك، انكفأت على نفسي.. يا ربي دخيلك! إلى متى ستستمر هذه النظرة التي تريد أن تشعرنا دائما بالمذلة والنقص والدونية؟ لماذا خطاب العنصرية طغى على طيبة الشعب التركي وعاطفته الإسلامية الجياشة؟

عشرات من الأسئلة والخواطر مرت في خلدي بألم، دون أن تلقى لها جوابا، كان أطفالي يبتسمون فأبتسم لهم دون أن أوجّه لهم أي كلمة بالعربية، وفي قلبي غصة ألم… وأضعافها غصص حريق.

بعيدا عن قصتي، وبدون طول سيرة الحمد لله فازت تركيا ٢/١ على التشيك وتأهلت لدور (١٦) وإن شاء الله ألف مبروك.